وما أقبحها فرية على رسول الهدى (صلّى الله عليه وآله وسلم) انهم «في صورة طير بيض تأوى إلى قناديل معلقة تحت العرش» (١).
فلو أنها ـ فقط ـ حياة الذكر ، فكيف «لا يشعرون؟» وحتى الماديين الناكرين للحشر يمشون وراء حياة الذكر ، رغم انها لهم خيال على خيال ، فان حياة الذكر إنما يشعرها ويعمل على تحصيلها من له حياة بعد الموت حتى يلتذ بحياة الذكر فيها.
وان حب حياة الذكر ـ الفطري ـ هو من الأدلة الفطرية على استمرارية الحياة بعد الموت ، وهو من الحجج الدامغة على ناكري الحياة بعد الموت ، إذا لو لم تكن بعد الموت حياة ، فأي دافع لمن يبطل حياته لبقاء آخرين ، وأن يحرم نفسه لذّاتها ليتمتع آخرون ، حيث العاقل ـ أيا كان ـ لا يعطي إلا استعطاء بديل ما يعطي ، إما هنا أم في الحياة الأخرى ، وليست حياة الذكر لها دور إلّا لمن يحيى بعد موته حتى يشعر تلك الحياة ، وإذ لا حياة فلا شعور للذكر حتى يجهد في تحصيله!.
وقيلة القائل : ان الخطاب في «لا تقولوا» موجه الى المؤمنين الذين يعتقدون في الحياة بعد الموت كأصل ثالث من الدين ، فكيف ينهاهم عن قالتهم هذه وهم مؤمنون؟ فلتكن «بل أحياء» حياة الذكر!.
إنها مردودة عليهم ، بان الحياة البرزخية لم تكن باهرة لهم كحياة القيامة ،
__________________
ـ فان قالت لهم : تركته حيا ارتجوه ، وان قالت لهم : قد هلك قالوا : قد هوى هوى.
(١). الدر المنثور ١ : ١٥٥ قال (صلّى الله عليه وآله وسلم) في صورة ... ، وفيه عن كعب بن مالك ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : ان أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلق من ثمر الجنة او شجر الجنة.