قليلة هي التلبيات والصلاة ، إذا فليست الأعمال الجوانحية من شعائر الله ، ولا كل الواجبات أو الفرائض الجوارحية هي من شعائر الله ، وإنما هي مذياعات الشرعة الإلهية بطقوسها الجماعية المعلنة ، التي تدل بدقة ولطافة على حقائق رقائق في شرعة الحق.
وكما ان (الشَّهْرُ الْحَرامُ) في المائدة مصداق محوري للشعائر لأنه مسرح زمني لشعائر الحج ، كذلك (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) هما مسرح مكاني لشعيرة السعي ، فليس الزمان والمكان أيا كان شعيرة إلهية إلّا بما يحل فيهما من شعائر الله.
ولأن كونهما من شعائر الله يتفرع عليه هنا (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) نعرف كضابطة سارية ان الشعائر الإلهية لا يصد عنها أي صاد ، فإنها ماضية على أية حال ، قاضية على أي جناح مزعوم حين يفسح لها مجال.
والجناح بمعنى الميل ، ميلا عنه وهو الأكثر استعمالا كما هنا ميلا بفاعله عن الحق ، أم ميلا إليه وهو الأقل استعمالا وعلّه أيضا ميل الى الباطل ، أم هي معرّبة عن «كناه» الفارسية ، وعلى أية حال فهي عصيان ، والسعي فريضة في حج البيت وعمرته (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ) سواء أكان حج التمتع أو القران أو الإفراد ، أو العمرة مفردة وسواها ، فرضا وسواه ، فإنهما يفرضان بالإحرام ، والطواف هو الدوران حول الشيء إذا كان له حول كالكعبة المباركة ، وهو ـ ككل ـ السير الذي ينتهي آخره إلى أوّله ، فهو يعم السعي والطواف ، فالواجب فيه ـ ككل ـ الانتهاء الى حيث بدء.
وواجب البدءة في السعي هو من الصفا ، وكما ينتهي السير إليها ثم الى المروة ، ف
«ابدأ بما بدء الله به» (١) كضابطة عامة هنا وفي غيره.
__________________
(١) حديث مستفيض عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأئمة اهل بيته (عليهم السلام) في ـ