والمعاد ، ام بينات لمادة الرسالة ، فهي على أية حال بينات للهدى فانها مادة الرسالة ، حيث الشرعة مركبة ـ ككل ـ من بينات وهدى ، والثانية ناتجة عن الأولى ، فقد تكتم البينات كإخفاء لآيات الهدى تكوينية أو تشريعية ، أم تكتم الهدى الناتجة عن تلكم البينات كتمانا لدلالتها على هداها ، تأويلا لها إلى غير معناها.
ثم (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ) لها مرحلتان ، من بينات وهدى بينت لناس أم لكل الناس ثم تكتم بتدجيل وتجديف ، وتلك هي الدركة السفلى من الكتمان.
ومن بينات وهدى بينت لغرض أن تبيّن للناس ، فانها ليست ـ ككل ـ مبيّنة دون وسيط لكل الناس ، لأنّ منهم أميين لا يعلمون الكتاب إلا أماني فكيف بيّنت لهم؟ ومنهم دارسون لا يقرؤن الكتاب فكيف بينت لهم؟ ومنهم من يتلون الكتاب ولا يعرفون كل بيناته وهداه ، وهم كلهم من ضمن الناس الذين يقول الله عنهم (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ) ، فسواء بين لناس دون وسيط ، أم بين بوسيط يحمّل تبيينه لسائر الناس ، وكما تقسّم الأرزاق قسمين ثانيهما ان يرزق المرزوق بما ينفق عليه المنفقون بإذن الله تكوينا وتشريعا ، فانه أيضا من رزق الله ، فقد تشمل الآية الكتمانين ، كما تشمل الكاتمين كتابيا ومسلما ، كتمانا لأصول من الدين أم فروع منه (١).
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ١٤٩ في احتجاج الطبرسي عن أبي محمد العسكري (عليهما السلام) حديث طويل وفيه : قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى؟ قال : العلماء إذا صلحوا ، قيل : فمن شر خلق الله بعد إبليس وفرعون وثمود وبعد المسمّين بأسمائكم وبعد المتلقبين بألقابكم والآخذين لأمكنتكم والمتأمرين في ممالككم؟ قال : العلماء إذا فسدوا ، هم المظهرون للأباطيل ...