فالله يبين ما أنزل من البينات والهدى للرسول بيانا للناس ، والرسول يبينه لمن يأهل تعلما لكلّ ما أنزل وهم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، وهم يعلّمون العلماء على مراتبهم ، ثم يعلمون سائر الناس ، لأن النازل من الله ليس ـ فقط ـ للرسول او الائمة أو العلماء ، إنما (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ) : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (١٦ : ٤٤) و (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (٣ : ١٣٨).
ف شر خلق الله العلماء إذا فسدوا وهم المظهرون للأباطيل ، الكاتمون للحقائق وفيهم قال الله (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (١).
وكما يحرم على علماء الكتاب كتمان ما أنزل الله ، كذلك يحرم على الجهال كتمان أنفسهم عن تعلّم ما أنزل الله ، والحق الأوّل هو على العلماء ، فان من الجهال من يجهل انه يجهل ، أم يعلم جهله ولكنه لا يجد سبيلا الى التعلم ، فعلم الدين كالماء يجب إرساله الى كل مكان لينتج نتاجه أيّا كان وفي أيّ كان.
وليس يجب تعليم الدين ـ فقط ـ لمن يسأل ، بل ومن لا يسأل أم لا يعرف كيف يسأل ، بل هما أحرى ممن يسأل ، والكتمان يشمل موارد السؤال وسواها ، ف «من سئل من علم عنده فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» ، و «من كتم علما مما ينفع الله به الناس في أمر الدين ألجمه الله
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ١٦٢ عن أبي هريرة ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : وفي تفسير البرهان ١ : ١٧٠ العياشي عن زيد الشحام قال : سئل ابو عبد الله (عليه السلام) عن عذاب القبر قال : ان أبا جعفر حدثنا ان رجلا أتى سلمان الفارسي فقال : حدثني فسكت عنه ثم عاد فسكت فأدبر الرجل وهو يقول ويتلو هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ...) فقال له : أقبل ـ إنا لو وجدنا أمينا لحدثناه ولكن أعد لمنكر ونكير إذا أتياك في القبر فسألاك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن شككت او التويت ضرباك على رأسك بمطرقة معهما تصير منه رمادا ، فقلت ـ