والهدى ، ومختلف دركات الكتمان قبل البيان وبعد البيان وصدا عن التبيان ، ف «أولئك» الكاتمون (يَلْعَنُهُمُ اللهُ) إبعادا عن رحمته يوم الدنيا ويوم الدين (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) استبعادا لهم من الله عن رحمتيه ، وقد يشمل «اللّاعنون» ـ إلى جنب الملائكة والجنة والناس ـ الدوابّ (١).
وطبعا هم «اللّاعنون» بحق ، فان هناك لاعنين بغير حق ، وغير لاعنين الكاتمين ، ف «اللّاعنون» هنا هم الذين يلعنون مع الله وبحكم الله وكما يلعن الله ، فلأن اللعنة الناتجة عن كتمان ما أنزل الله تشمل المحرومين عنه ، وتخلق جوّ البعد عن رحمة الله ، فكأن الكاتمين تحولوا بذلك الكتمان الى ملعنة ينصب عليها اللعن من مصادره ، ويتوجه إليها بعد الله من كل لاعن!.
ثم «ويلعنهم» ليس ـ فقط ـ إخبارا عن واسع اللعن ، بل وهو إنشاء أمرا لمن يأتمر أن يلعن الكاتمين ، في مثلث الجنان والقال والفعال ، خلقا لجوّ اللعنة عليهم حتى يحيدوا عن غيهم أن يذبلوا بعيّهم ، فإنهم ألعن الناس وأظلم الناس ، قلوبهم آثمة وفي بطونهم نار ، فما أنزل الله للناس هو شهادة لله عند العالمين به : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) (٣ : ١٤٠) وهو من إثم القلب الذي هو قلب الإثم : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (٢ : ٢٨٣) وقد أخذ الله ميثاق العلماء على التبيين (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) (٣ : ١٨٧) (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ١٦٢ ـ أخرج ابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب قال : كنا في جنازة مع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال : ان الكافر يضرب ضربتين بين عينيه فيسمعه كل دابة غير الثقلين فتلعن كل دابة سمعت صوته فذلك قول الله (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ).