النَّار) (٢ : ١٧٤) (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) (٤ : ٣٧).
وبيان ما أنزل الله واجب كفائي ليس على أعيان العلماء ككلّ ، ويكفيه برهانا أن ليس بعد بيان من فيه الكفاية أيّ خفاء فلا كتمان ، ولكنما الكفاية قلّما تتفق أم لا تكون إمّا لعدم قيام من فيهم الكفاية ، أم عدم الكفاية في العلماء الحضور ، فيجب التعلم قدر الكفاية حتى يمكن التعليم ممن فيه الكفاية ، فما دام في العالم جهّال فالعلماء الساكتون ـ غير المعذورين ـ لا يعذرون ، وكذا الذين بإمكانهم التعلّم حتى يعلموا ولا يتعلمون.
ثم البيان في كل عصر ومصر يتطور حسب الحاجة والإمكان ، دون جمود على سنّة خاصة متعوّدة ، فلكل حال مقال ، ولكل مجال حال ، كما الأدواء تختلف حسب مختلف الحال.
فمن المجاهيل من هم بحاجة إلى كلتا البينات والهدى ، ومنهم من تنقصه البينات وهو منجذب إلى الهدى ، ومنهم من تنقصه الهدى دون البينات ، ف (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١٦ : ١٢٥).
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١٦٠).
هنا استثناء عن اللعنة الناتجة عن الكتمان بتوبة عنه ، ولا فقط قلبية بينه وبين ربه ، بل «وأصلحوا» ما أفسدوا بكتمانهم «وبيّنوا» ما كتموا ، ومنه كتمانهم كتمانهم ، إذ كانوا كاتمين أنهم كانوا كاتمين ، فكل من فسد وأفسد بكتمانهم لا بد وأن يصلحوه معرفيا وعمليا ، فمن كان حيا فأصلحه وبين له فله ، ومن مات على فساد الكتمان فعليه ، وتوبة الله عليه تختص بما أصلح