خمس اخرى تتبنّى فروعها العملية ، من صلات جماعية اعتيادية بين الجماهير : (وَآتَى الْمالَ ...) (وَآتَى الزَّكاةَ) ومن صلة عبودية بالله تتوسطها : (وَأَقامَ الصَّلاةَ) ثم صلة ذات بعدين بالله وبخلق الله : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ ... وَالصَّابِرِينَ ...).
وترى كيف يكون (مَنْ آمَنَ) برّا مصدرا وهو بار فاعلا؟ علّه لأن حامل هذه العشر يجسّد البر نفسه ، إذا فكأنه نفس البر وكما و (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) (٢ : ١٨٩).
فالبر عقيديا وإيمانيا فعمليا يأتي بسائر البر كتولي الوجوه قبل القبلة التي يرضاها الله ولا عكس إلّا لمن آمن حقا.
إذا فليس سلب البرّ عن تولية الوجوه سلبا مطلقا لأنها أيضا من طقوس البر ، وإنما هو سلب لأصالة البر عنها ، والتولية حسب الشرعة هي فرعه.
إذا فالإقبال على القشور المصلحية تغافلا عن الألباب ليس من البر ، كما الإقبال على الألباب تغافلا عن القشور المأمور بها ليس كلّ البر ، (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ ...) جامعا بين اللباب والقشور قضية برّ الإيمان والإيمان البر.
هنا (آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) تعني حب المال الى حب الله وحب إيتاء المال جمعا بين المراجع الثلاثة ، مهما كان المال أقرب لفظا ، فان الله هو أقرب معنى وبينهما الإيتاء ف (عَلى حُبِّهِ) إذا لها تعلقات ثلاث أدبيا ومعنويا ، : «آتى المال على حب الله» و «آتى المال على حب المال وعلى حب إيتاءه» إذ (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (٣ : ٩٢) وكما «قيل يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما آتى المال على حبه؟ فكلنا نحبه! قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : تؤتيه حين تؤتيه ونفسك تحدثك بطول العمر والفقر» (١).
__________________
ـ الدر المنثور ١ : ١٧١ ـ أخرج البيهقي في شعب الايمان عن المطّلب انه قيل ... وفيه اخرج