الأباقرة العباقرة! وكم بقروا : كلّا في بصائرهم الكليلة العليلة في العقلية الإنسانية ، مهما بقروا : شقا للمسالك الحيوانية الشهوانية ، فهم في الروحية الإنسانية في أسفل سافلين ، وفي الترسّلات الحيوانية والسياسات المادية في أعلى عليين!.
هنا السمات الرئيسية للطبيعة الإسرائيلية ، والوصمات النكدة النكبة ، تبدو واضحة وضح النهار في هذه القصة ، من مدى انقطاع الصلة بين قلوبهم المقلوبة وبين مقلب القلوب ، انقطاعا عن نبعة الحياة الروحية الشفافة الرقراقة ، واتصالا طليقا حليقا بالمظاهر المادية ، لحد قد يسبقون الماديين في دورهم الدائر وحورهم الحائر حول المادة والحيوية الحيوانية الشرسة.
ولقد سميت سورة البقرة بها بمناسبة قصة البقرة ، وهؤلاء الأباقرة فيما تقصه عنهم في هذه المجالة وسائر المجالات المعروضة فيها ، عرضا لحمقهم في عمقهم لحدّ قد تهان البقرة في تمثيلهم بها وعبادتهم إياها!.
وترى كيف يلفت عن خطاب الحاضر لهم ـ فيما سبق هنا من خطابات ـ إلى عرض غائب في تقاولاتهم هذه ، ثم نقلة إلى خطابهم عرضا لمادة القصة المقدمة عليها : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) وهي أحرى أن تقدّم بطبيعة الحال التسلسلية؟.
علّه لأن القصة غير مذكورة في التوراة زمن نزول القرآن كما الحاضرة ، فليعرضوا غيّبا فيها ، ومن ثم ـ وبعد تثبيت القصة ـ يأتي دور العرض لقتلهم نفسا وتدارئهم فيها ، ولها إشارة في التوراة (١) تلفيقا دقيقا رفيقا للواقع المغفول
__________________
(١) في الاصحاح الحادي والعشرين من سفر التثنية : ١ إذا وجد قتيل في الأرض التي يعطيك الرب إلهك لتمتلكها واقعا في الحقل لا يعلم من قتله ٢ يخرج شيوخك وقضاتك ويقيسون الى المدن التي حول القتيل ٣ فالمدينة القربى من القتيل يأخذ شيوخ تلك المدينة عجلة من البقر لم يحرث عليها لم تجر بالنير ٤ وينحدر شيوخ تلك المدينة بالعجلة الى وادي دائم السيلان لم يحرث فيه ولم يزرع ويكسرون ـ