فالحصر هو المنع ، ولا يصدق إلّا في القادر على فعل يمنع عنه بسبب منفصل ، ثم هو الحبس وكذلك الأمر ، ثم الحبس والمنع فعلان لا ينسبان إلّا الى فاعل وليس المرض فاعلا.
ثم (فَإِذا أَمِنْتُمْ) لا تناسب الا الأمن عن عدوّ اختلق اللّاأمن ، دون المرض ، ثم (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ...) تقسم المحصرين الى مريض وسواه ، وهما معا المعنيان ب «أحصرتم» فليست لتعنيهما ، بل هو الإحصار المنفصل ، ثم إذا كان المحصر مريضا أو به أذى من رأسه ، فقد يعذر عن الحلق ، والمريض ـ أيا كان ـ بإمكانه حضور المواقف ، ويستنيب فيما لا يشترط عليه أصله كالطوافين بصلاتهما ، وكالرمي أما شابه ، فلا مجال إذا لبديل «ما (اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) عن كل المناسك المتبقية.
وقد عبر عن هذا الإحصار في الفتح بالصد : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) (٤٨) وهذا هو الذي حصل بالفعل في الحديبية عند ما حال المشركون بين النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن معه من المعتمرين دون الوصول الى المسجد الحرام سنة ست من الهجرة ثم عقدوا معه صلح الحديبية على سماح العمرة في السنة القادمة.
وقد «خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معتمرين فحال كفار قريش دون البيت فنحر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هديه وحلق رأسه» (١). فآية الإحصار هي خلاف ما اصطلح عليه فقهاء من الأمة سنادا الى
__________________
(١)الدر المنثور ١ : ٢١٣ ـ اخرج البخاري والنسائي عن نافع ان عبيد الله بن عبد الله وسلام بن عبد الله أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر ليالي نزل الجيش بابن الزبير فقال : لا يضرك ألا تحج العام ان نخاف ان يحال بينك وبين البيت فقال : خرجنا ...
وفيه أخرج البخاري عن ابن عباس قال قد أحصر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فحلق ـ