النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) اختلافا على وحدتهم في أمة الضلالة ، فالهدف الأقصى والأسمى من بعث الله النبيين هو الحكم بين الناس المختلفين في أهوائهم ورغباتهم ، والثاني يستفاد من: (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ) ـ اي في كتاب النبوة ـ (إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) علماء وجهالا ، حيث تذرعوا بعامل الوحدة لبثّ الاختلاف فيما هو الداعي إلى الوحدة ، كما اختلفوا في القرآن في أبعاد أخراها الرجوع إليه كأصل ورأس للزاوية.
فهناك قبل إنزال الكتاب ، أم قبل النظر المهتدي إلى الكتاب ، اختلاف اوّل هو طبيعة الحال ، قضية مختلف الأهواء والرغبات من ناحية ، وقصور الفطر والعقول من أخرى.
ثم هنا اختلاف ثان هو في الكتاب ، اختلافا في تصديقه ، فمنهم من آمن ومنهم من كفر ، واختلافا آخر بعد تصديقه ، تثاقلا عليه دون انتقال إلى الشرعة التالية ، كاليهود المتثاقلين على شرعتهم تكذيبا للمسيح ، والمسيحيين المتثاقلين على شرعتهم تكذيبا للقرآن ، أم اختلافا في الكتاب في حقله نفسه ، إرجاعا إليه كأصل ، أم تركا له إلى روايات وأقاويل لا أصل لها ، ثم اختلافا في الإرجاع ، تحميلا عليه آراء زينوها وراء الكتاب ، ام رجوعا إليه كما هو ، تفسيرا بنفسه.
(وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) فالذين أوتوه هنا ـ بطبيعة الحال ـ هم علماء الكتاب ، لا الموحى إليهم إذ لا اختلاف بينهم ولا بغي ، ولا الناس الجهال حيث لم يؤتوا إلّا تكليفا به ببيان علماء الكتاب.
فقد حملهم البغي بينهم على الاختلاف فيه ، بين تكذيب واختلاف وإرجاع الى غيره ، ثالوث يجمعه إهمال الكتاب عن أصالته في حقل الشرعة الإلهية.