كيانه بقاله وحاله (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ)؟ علّه قطعا لآمال الأكثرية الضالة إعلاما وإعلانا صارخا في هذه الإذاعة القرآنية ، أم إنه من باب «إياك أعني واسمعي يا جارة» أو أن الخطاب يعم كافة المكلفين دون اختصاص بالرسول (ص) كلا على قدره وقدره.
ولأن النهي معلّل ب (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) ، فليس التنديد بالأكثر إلّا لأن الأكثر من الأكثر عليلون بهذه العلة ، فلو أن الأكثرية تتبع العلم فلا ضير في اتباعها لمن ليس على علم وليس ليحصل عليه بجهوده ، فاتباع العلم ضابطة عامة في حقلي الاجتهاد والتقليد ، كما أن اتباع الظن هابطة عامة في الحقلين جميعا ، اللهم إلّا ظنا يؤمر باتباعه بدليل قاطع كالأصول الأحكامية الموضوعة في موارد الشك.
والآيات في حرمة اتباع الظن ـ كأصل ـ وحرمة قفو غير العلم أو اثارة من علم ، عديدة في عدة مجالات ، واتباع الظن ـ حتى فيما يضطر إليه ـ محظور إلّا أن يتبع فيه دليل العلم من كتاب أو سنة قطعية كأدلة الاستصحاب والاشتغال والبراءة والظاهر وقاعدة الفراغ والتجاوز ، فليس اتباع الظن فيها إلّا باتباع العلم فيما لا سبيل علميا إليه ، فهي بين تهدير هذير أم تقرير منير.
ذلك ولأن أمثال الإجماع والشهرة والقياس والاستحسان والاستصلاح لا دليل على حجيتها في الظنون الحاصلة منها ، بل والدليل قائم على ألّا حجية فيها ، فالظنون الحاصلة منها مردودة بل والقطع الذي يحصل من غير دليل شرعي عقليا وسواه ، مثله كمثل تلك الظنون ، وقيلة ألا سبيل إلى نقض القطع للقاطع أيا كان ، عليلة ، حيث القاطع ليس ليدعي الحيطة القاطعة العلمية غير المتخلفة عن الواقع ، فللشارع نصب الوسائل كما يراها صالحة للحصول على القطع ، وقد نصب الكتاب وعلى ضوءه السنة