فإن كانت خلقت من شيء كان معه فإن ذلك الشيء قديم لا يكون حديثا ولا يفنى ولا يتغير ، ولا يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتى ، ومن أين جاء الموت إن كان الشيء الذي أنشأت منه الأشياء حيا ، أو من أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشيء ميتا ، ولا يجوز أن يكون من حي وميت قديمين لم يزالا ، لأن الحي لا يجيء منه ميت وهو لم يزل حيا ، ولا يجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل بما هو به الموت ، لأن الميت لا قدرة له ولا بقاء (١).
(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(١٠٣) :
هذه من أمهات الآيات المحكمات تعريفا بالله تعالى شأنه ، مفسّرة لكافة المتشابهات التي يخيّل فيها أنه تعالى يبصر ببصر أو ببصيرة.
فالإدراك هو الوصول كيفما كان ، و«الأبصار» جمع البصر الشامل لبصر العين ، وبصر البصيرة ، فطريا أو عقليا أو قلبيا أم في أسر الأسرار فهي أبصر من بصر العين ، فلأن المبصر قد يكون محسوسا وأخرى غير محسوس ، فالأبصار تعم باصرة المحسوسات وسواها.
و (هُوَ اللَّطِيفُ) بحق اللطافة التي لا تدرك بحقيقة الذات وذاتيات الصفات بوحدتها مع الذات ، بل ولا الأفعال ، إلّا أن يري الله من أفعاله شطرا بعض عباده المخلصين كما يمكن أن يرى.
ذلك فالحيطة العلمية والمعرفية على الله مستحيلة لمن سوى الله وعلى حد قول رسول الله (ص) في ضوء الآية : «لو أن الجن والشياطين
__________________
(١) بحار الأنوار ٩ : ٦٤ و١٦٦ وهي من غرر الحاجات الجامعة لدررها.