والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفا واحدا ما أحاطوا بالله أبدا» (١) والصف الواحد هو في حقل المحاولات المعرفية لتلك الإحاطة.
هنا «لا تدركه» طليقة في استغراق أي زمان أو مكان أو أيّا كان من كائن غير الله في مثلث النشآت ، حيث الأبصار بحدودها كليلة عن إبصاره تعالى فإنه اللّامحدود والمجرد الطليق عن كلّ حد ، فليس محسوسا حتى يحس ولا مجسوسا حتى يجسّ ولا ملموسا حتى يلمس ف «لا يحس ولا يجس ولا يمس ولا يدرك بالحواس الخمس» ولا بغيره من إدراكات الأبصار وأبصار الإدراكات في أي حقل من الحقول ولأي عقل من العقول ، ف «كلما ميزتموه بأوهامكم فهو مخلوق لكم مثلكم مردود إليكم».
«لا تدركه» لا تعني ـ فيما عنت «لا تعرفه» حيث المعرفة الممكنة المأمور بها لا تعني إدراكه بمعرفة كهذه ، كما لا تعني «الأبصار» ـ فقط ـ أبصار العيون ، حيث الجمع المحلّى باللّام يحلّق على كافة الأبصار في أي إبصار ، سواء في هذه السلبية الطليقة أبصار عيون الإبصار أو أسرار البصائر ، بصائر الفطر والعقول والقلوب والألباب والأفئدة أماهيه من وسائل الإبصار.
فلأن «لا تدركه» هي من ميّزاته تعالى عن خلقه ، فإبصار واحد من واحد في أيّ من النشآت وفي أي حقل من حقوله من أي مبصر ينقض هذه الميّزة ويسوّيه بخلقه سبحانه في أصل الإبصار.
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٧ ـ اخرج ابن أبي حاتم والعقيلي وابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (ص) في قوله (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ..) قال : ...