أترى (الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) مؤمنون مصدقون بالحشر؟ فكيف يخافونه وهو الوعد الصادق الأمين؟.
إنهم لا يخافون أصل الحشر القاطع كأصل ، إنما يخافون حشرهم أنفسهم خوفة مما قدمته أيديهم ، ولا يعني الخوف من الله إلّا الخوف من عدله يوم الحشر اتهاما لأنفسهم بما تستحق به العقاب فقد : (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) (٢٤ : ٣٧) (١).
(لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) يوم الحشر كما هنا (أَنْذِرْ بِهِ ... لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ولا يطغون.
ثم «أنذر به» مما يدل على واجب الإنذار الرسالي ، أنه ليس إلّا بالقرآن ، فالإنذار بغير القرآن قاحل مهما كان من الرسول ، والإنذار بالقرآن من غير أهله غير كامل.
(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٥٢) :
وترى كيف يطرد أوّل العابدين الذين يدعون ربهم .. يريدون وجهه؟ وما أرسل إلّا لدعاء ربه وعبادته! ونوح وهو أدنى منه محتدا في كلّ شيء يقول في جواب القول : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ. وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٦ : ١١٤) ـ (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ... وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (١١ : ٣١).
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٧٢٠ عن المجمع قال الصادق (ع): «انذر بالقرآن من يرجون الوصول إلى ربهم ترغبهم فيما عنده فان القرآن شافع مشفع».