لا يُؤْمِنُونَ) كما لم يؤمنوا بما جاءت أفضل الآيات الكافية عن سائرها وهو القرآن العظيم ، فالقصد من إنزال الآيات هو إمكانية التأثير ، إضافة إلى كونها صالحة كأصلح ما يكون ولكنّهم لا يؤمنون ، وليس كلامهم هذا إلّا عذرا غير عاذر.
ذلك ، وحتى لو أرادوا أن يؤمنوا بمقترحات الآيات ، فهو إيمان قاحل جاهل إذ رفضوا قبلها أفضل الآيات :
(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(١١٠) :
فكما لم يؤمنوا بما جاءتهم من آية قاطعة أوّل مرة تقلبا لأفئدتهم وأبصارهم من عند أنفسهم ، فهناك جزاء وفاق حيث (نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) تشبيها للعقوبة بالجريمة جزاء وفاقا.
ثم لا نهديهم أبدا بعد ما رفضوا أهدى الهدى ، بل (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
أجل ، إن الأفئدة المتفئدة بنور المعرفة فطريا وعقليا وعلميا وعلى ضوء الوحي ، قد تقلّب افئدة متفئدة بنار الجهالة والحماقة ، حيث تغلق عليها أبوابها ومنافذها ، وكذلك الأبصار ، حيث «ننكس قلوبهم فيكون أسفل قلوبهم أعلاها ، ونعمي أبصارهم فلا يبصرون الهدى» (١)
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٧٥٨ عن تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليهما السلام .. وفيه قال علي بن أبي طالب (ع) ان أوّل ما يقلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ثم الجهاد بألسنتكم ثم الجهاد بقلوبكم فمن لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر منكرا نكس قلبه فجعل أسفله أعلاه ثم لا يقبل خيرا ابدا كما لم يؤمنوا به اوّل مرة يعني في الذر والميثاق ونذرهم في طغيانهم يعمهون أي يضلون.