ذلك ، وهذه مواجهة دقيقة رقيقة يتتبع بها مكامن أوهام الجاهلية الجهلاء ، استعراضا لكلّ واحد من المواضيع والمواضع التي تجاهلوا عن حقها إلى أباطيلها ، ليكشف فيها عن السّخف الذي لا يقبل دفاعا ولا تعليلا إلّا عليلا ضئيلا لحدّ يخجل منه صاحبه حين ينكشف له النور ويرى ألّا سند له من علم أو اثارة من علم إلّا تقاليد عمياء.
لذلك هنا يقرر لهم ما حرمه الله لكيلا يتجاوزه إلى سخف التشريع منهم افتراء جاهلا على الله :
(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٤٥) :
هنا (مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) ـ تنكرا فيهما ـ تلمح لكون الآية هي أولى ما نزلت بشأن محرمات الأنعام ، وقد نزلت بعدها مكية ثانية تشير إليها : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٦ : ١١٥) ثم في مدنية
__________________
ـ بمنى الضأن والمعز الأهلية وحرم ان يضحى بالجبلية وأما قوله : (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) فان الله تعالى أحل في الأضحية الإبل العراب وحرم فيها البخاتي وأحل البقر الأهلية ان يضحى بها وحرم الجبلية فانصرفت الى الرجل فأخبرته بهذا الجواب فقال : هذا شيء حملته الإبل من الحجاز.
أقول : حرمة الجبلية في الأضحية لأنها من الصيد المحرم في الحرم والإحرام ، واما الحديثان الأولان فقد لا يناسبان ظاهر الآية حيث تعني كلّ ذكر وأنثى لأكل اهلي ووحشي ، اللهم إلّا أن يعني «اثنين» كلا الاثنين ، ذكرا وأنثى وأهليا ووحشيا ، ولكن الفصيح ـ إذا ـ ان يقال ستة عشر ازواج ، ثم الأهلي والوحشي من كلّ يعتبر واحدا.