(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٧٤) :
هنا «أبيه آزر» ولا ثانية لها في القرآن إلّا «أبيه» دون «آزر» (١) والقصد منه غير والده كما هو المتأكد من آيات عدة ، فقد بدأ قومه ومنهم آزر المسمى ب «أبيه» بالتنديد على عبادة الأصنام (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ورغم الحظر عن الاستغفار للمشركين يعده الاستغفار حين يتلمح من كلامه معه انه في حالة التحري : (قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا. قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) (١٩ : ٤٨) ولقد أنجز له وعده قبل ان يتبين له انه عدو لله : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (٢٦ : ٨٦) إذ (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ. وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (٩ : ١١٤).
ذلك ، فقد تبرء منه حتى آخر عمره وانجاز أمره ، ولكنه نسمعه حين يرفع القواعد من البيت هو وإسماعيل يدعو لوالديه : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) (١٤ : ٤١).
إذا فوالده هنا غير أبيه هناك ، فهو عمه دون والده ، ولا جده من أمه لأنه ايضا والده ، وإلّا لكان نقضا لعصمة الجليل والخليل حيث أنبأ : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) وقضية طليق التبرؤ ألا يستغفر لآزر ، فلما استغفر لوالديه في آخر عمره ونهاية أمره وقد تبين أن آزر عدو لله نتأكد أن
__________________
(١) كما في ٩ : ١١٤ و١٩ : ٤٢ و٢١ : ٥٢ و٢٦ : ٧٠ و٣٧ : ٨٥ و٤٣ : ٢٦ و٦٠ : ٤.