(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (٥٣) :
«وكذلك» الشديد البلاء ، العظيم الابتلاء (فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) حيث فتن الكفار الأغنياء بالمؤمنين الفقراء ، ومن الغاية الصالحة لهذه الفتنة الربانية «ليقولوا» هؤلاء الكافرون «أهؤلاء» الفقراء الضعفاء المؤمنون (مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ) بالإيمان والكرامة «من بيننا»؟ ونحن أحق منهم بكلّ كرامة ، وهم أحق منا بكلّ عرامة ، أم ولا أقل من التسوية بيننا وبينهم!.
والجواب الحاسم : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) وهم الفقراء السابقون إلى الايمان ، فالممنون عليه من الله ليس منّه فوضى جزاف ، إنما هو شكره نعمة الرسالة وهم كافرون.
فالفتنة في أصلها هي فتنة الذهب الخليط بالنار لاستخراج الخليص ، وهذه غاية صالحة تربوية تمحيصا وتخليصا بما يسعى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).
وهنا في شأن النزول فتنة ثلاثية حيث فتن الرسول (ص) بها وفتن كلّ بالآخر ، وكان الساقط في هذه الفتنة هم الأشراف ، ومن مقالهم للرسول (ص) : «نؤمن لك فإذا صلينا معك فأخر هؤلاء الذين معك فليصلوا خلفنا» (١).
وترى «ليقولوا» هي غاية مقصودة لربنا في هذه الفتنة الشاغرة المائرة؟ إنها مقصودة بجنب كونها اعتيادية للمفتونين بطبيعة حال الفتنة ، فقد يريد الله بما يفتن عباده ليعلم صالح الإيمان من طالحه المدعى علما ،
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ١٤ عن ابن عباس في الآية قال : هم أناس كانوا مع النبي (ص) من الفقراء فقال أناس من أشراف الناس : نؤمن ..