طريقين لا ثالث لهما للعلم الحجة ، فسائر العلم ليست إلّا في لجّة ، سواء الحاصلة برؤيا أو في يقظة.
وقد سمي غير الحاصل من علم أو أثارة من علم ظنا لا يتبع ، ثم الظن الحاصل من أحدهما كما أمرنا يتبع ، وقد بحثنا عنها بطيّات الآيات الواردة فيها.
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(١١٧) :
ولأنه هو أعلم بالمهتدين ، لذلك يأمر باتباع العلم اليقين وينهى عن إتباع الظن التخمين ، وهنا «من يضل» دون جارّ قد يكون لنصبه دون خافض ، بقرينة (أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) هنا و (أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) في النجم : (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً. فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا. ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) (٥٣ : ٣٠).
و«أعلم» هنا ـ الطليقة عن المفضل عليه ـ كما يحتمل طليق العلم الخاص به تعالى ، أنه هو العالم لا سواه ، كذلك يحتمل العلم المفضل على من سواه ، فإن منهم من يعلم الضال عمن اهتدى مهما بان البون بين العلمين.
ولأن طليق العلم دون خلط بجهل يختص بالله سبحانه ، فهو وحده صاحب الحق في وضع الميزان بين الضال والمهتدي (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا