أولى : (إِنَّما حَرَّمَ ... وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ ... فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢ : ١٧٣) ومن ثم في مدنية أخرى هي الأخيرة من السور (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ ... فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥ : ٣).
فالمحرمة من بهيمة الأنعام ـ وهي فقط حقل التحريم في هذه الآيات ـ ليست إلّا ما ذكر في الأنعام هنا وفي الثلاث الأخرى ، وفي اخيرتها مزيد قضية ختام الوحي بها ، ولكنه مزيد إيضاح ، حيث (الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ) إذا ماتت بهذه الأسباب فهي من مصاديق «الميتة» وإن لم تمت ف (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) تحلّلها ، ثم (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) وهي من مصاديق (ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) وأما (أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) فليست محرمة في خصوص حقل الأنعام بل هي من الميسر المحرم في آيتي البقرة والمائدة ، إذا فلا محرم في حقل الأنعام أصليا من حيث المجموعة ، دون أجزاء من كلّ منها ، إلّا «الميتة وما أهل لغير الله به» تذكيرا بشرط أصيل للحلّ وهو الذبح الشرعي ، وآخر كشعيرة توحيدية مضادة لشعيرة الشرك وهو ذكر اسم الله عليه ، فلأن الإهلال حسب المتعود لم يكن يخرج من كونه لله أو لغير الله ، فتحريم ما أهل لغير الله به إيجاب للإهلال لله كما فصلنا كلّ ذلك في المائدة ، ذلك وفي احتمال «لا أجد» الحالة الحاضرة تصبح آية المائدة مفصلة لهذه المحرمات أو مزيدة عليها ما لا يدخل فيها ظاهرا بينا ، ولكن الأول أظهر.
وهنا (دَماً مَسْفُوحاً) كنص أولي لتحريم الدم ، تحول حوله النصوص الثلاثة الأخرى النازلة بعدها «الدم» فاللّام فيها هي لعهد الذكر ، فتعني (دَماً مَسْفُوحاً) ذكر من ذي قبل ، فلا يحرم من الدم إلّا المسفوح منه مهما