وهذان هما حجر الأساس لاختلافات العقلاء حتى الفلاسفة في تشخيص الحقائق.
فحين يقول الله عن اعقل العقلاء (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) مهما كانت هوى عقله أم حصيلة الشورى الصالحة بين الرعيل الأعلى من العقلاء.
فما ذا ترى في سائر العقول الناقصة في ذواتها ، البائسة في تعقلاتها ، وحين تختص حجة الرسول (ص) بالوحي ، فكيف يكون العقل لمن سواه حجة كحجة الوحي ، اللهم إلّا استنباطا قاطعا للوحي ، فلا حجة ـ إذا ـ إلّا الوحي نفسه وما يستوحى منه سليما غير دخيل.
وان للوحي تجاه العقل سلبا وإيجابا ، سلبا عن انحراف المنهج ، وسوء الرؤية تخلفا عن المبلج ، والتواء الأهواء والشهوات ، وإيجابا للتجوال في الكون كله بصورة صالحة ووسيلة فالحة ليست إلّا وحي الرحيم الرحمان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)!.
(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٥١) :
الإنذار بالقرآن كأصل في الدعوة يعم كافة المكلفين (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) (١٤ : ٥٢) ـ (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها ...) (٦ : ٩٢) (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٦ : ١٩).
ذلك ، ولكن تأثير الإنذار ليس إلّا فيمن يتحرى عن الحق أم لا يتجرأ عليه : (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ...) (٣٥ : ١٨) (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) (٣٦ : ٧٠).