وهنا حصر إتباع الرسول (ص) بالوحي حسر عن إتباعه غير الوحي من عقلية نفسه أو عقلية الشورى فإنهما ليسا من وحي الله لتدخل الخطإ فيها.
إذا فلا اجتهاد للرسول يتوسل فيه بأية وسيلة حيث الوحي يغنيه ، وما الاجتهاد على أية حال إلّا للأعمى عن الوحي دون البصير بخالص الوحي حيث الوحي يكفيه.
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) فأنتم ترونني وتسمعونني ما يدل على بصارتي وبصيرتي ، وجربتم أنفسكم وسواكم بما يدل على عماكم (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) أنه «لا يستوي الأعمى والبصير»!.
ذلك ، فاتباع الوحي وحده هداية وبصيرة ، والمتروك بغير الوحي أعمى عن البصيرة ، ولا دور للعقل وجاه الوحي إلّا تلقيه بصفاء ووفاء ، صفاء في تفهّمه ووفاء في تفهيمه ، وأما ان يستقل أمام الوحي كأنه يشاقه أو يكون إمامه ، فلا وألف كلا!.
وليس هذا تهديدا للعقل وتحديدا ، تمجيدا له عن التعقل ، إنما هو بيان حدّه في جزره ومدّه أنه ليس في صالح المعرفة إلى خضمّ الوحي ، تركا لمجاله بكلّ جلواته الصالحة الفالحة في مضمار الوحي ، وهو أوسع المجالات لجلواته وتجلّياته على الإطلاق.
فليس من العقل معارضة العقل مع الوحي أو تفوّقه عليه ، فصالح العقل هو العوان بين إفراطه في مشاقة الوحي أو تحلّله عنه ، وبين تفريطه بحق الوحي ألّا يتعقله كما يجب ، فهو في إفراطه قد يخبط من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال ، وفي تفريطه يتخربط في جمود وركود.
فالعقل وحده ـ على محدوديته وعدم تحليفه على كلّ معقول مأمول ـ قد يضطرب ـ وكثيرا ما هو ـ تحت ضغوط الأهواء والشهوات والنزعات ،