أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ...) (٢٥ : ٨).
وهذا السلب والإيجاب هما يسلبان تطلّبات المشركين أن يكون الرسول ملكا أو يكون ـ لأقل تقدير ـ معه ملك فيكون معه نذيرا.
إذا فما هو إلّا عوانا بين الأمرين ووسطا بين العالمين؟ (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) (٣ : ١٤٤) و (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) (٣ : ١٢٨) ف:
(إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) لست إلّا حاملا لوحي ربي لا موكّل في شيء ولا مخوّل «متبعا لله مؤديا عن الله ما أمر به من تبليغ الرسالة» (١).
لذلك نقول لن تنسخ السنة الكتاب لأنه تخلّف عن وحي الكتاب ، ولو كان نسخ في حكم من الكتاب لكان يتكلفه الكتاب نفسه لأنه حجة باقية وضابطة قانونية ثابتة لا تتحمل تبصرة فيها تعمية لنصه أو ظاهره.
صحيح أن السنة وحي كما الكتاب وحي ولكنها ليست إلّا على هامش الكتاب شارحة له غير قارحة ، فالكتاب هو حبل الله المعتصم به وحيدا غير وهيد ، وكيف يكون هو المعتصم وهو في محط النسخ بالسنة التي ليست له إلّا فرعا له شارحة.
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٧٢٠ في كتاب التوحيد باسناده إلى احمد بن الميثمي انه سأل الرضا (ع) يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول الله (ص) في الشيء الواحد فقال (ع) ان الله عزّ وجلّ حرم حراما وأحلّ حلالا وفرض فرائض فما جاء تحليل ما حرم أو تحريم ما أحلّ الله أو دفع فريضة في كتاب الله رسمها بين قائم بلا نسخ نسخ ذلك فذلك شيء لا يسع الأخذ به لأن رسول الله (ص) لم يكن ليحرم ما أحل الله ولا ليحلل ما حرم الله عزّ وجلّ ولا ليغير فرائض الله وأحكامه وكان في ذلك متبعا مسلما مؤديا عن الله عزّ وجلّ وذلك قول الله عزّ وجلّ : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) فكان (ع) متبعا مؤديا عن الله ما أمر به من تبليغ الرسالة.