الربوبية كغيب ذاته تعالى وصفاته وأفعاله ، وغيب وحيه وآيات وحيه وما أشبه.
إلّا أن من الغيب ما يطلع عليه رسله قضية الرسالة إثباتا وبلاغا لمادتها : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً. لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (٧٢ : ٢٨) (١).
ومنه ما لن يطلع عليه أحدا من خلقه لاستحالته ذاتيا أو مصلحيا ، والضابطة المتكررة بالنسبة لمن سوى الله ومنهم رسل الله (لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) ثم (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ ...) تحيل لهم علم الغيب وإن كان بتعليم الله ، فإن استكثار الخير هو قضية طليقة لعلم الغيب بكلّ الحوادث الضارة والنافعة ، ولا فارق في «لاستكثرت» بين العلم الذاتي والكسبي ، حيث النتيجة في حقل «لاستكثرت ...» واحدة.
فلأن الآيات الرسالية وما أشبهها هي من خزائن الله قدرة وقيمومية ورحمة وعلما ، فالسالبان يسلبان عن الرسول القدرة والعلم بهذه الآيات الرسولية ، رغم علمه بتعليمه تعالى بآيات رسولية هي الوحي كله ، فهما إذا يسلبان عن إفراط الربوبية.
٣ ـ ثم (لا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) سلب لتفريط العبودية الذي تشترطه الجاهلية للرسل أن يكونوا من الملائكة ، فإنه هو (أَوَّلُ الْعابِدِينَ) على الإطلاق من الملائكة والجنة والناس أجمعين.
ذلك ، كما وهو إثبات للحاجيات البشرية التي هم يستنكرونها منه (ص) : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا
__________________
(١) للاطلاع على تفاصيل الغيب راجع تفسير الآية في سورة الجن ج ٢٩ من الفرقان.