لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)(٤٤).
وهنا قلتان ، قلة واقعية لكم في أعينهم لكي يستيهنوكم فلا يبالغوا في الاستعداد للمواجهة روحيا ، وفي سائر القوات فيقدموا على نضالكم برخوة واستهانة دون أية جدية ثم وقلة في الرؤية لهم في أعينكم لكي تستهينوهم فتقدموا على نضالهم دونما تخوف ، وقد تعني «يقللكم» تقليل العدد عما هو فهو أقل من واقعه ، أم وتقليل العدد عما هو ، فكذلك الأمر (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً).
وهلّا تناحر بين (يُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) هنا وبين (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) (٣ : ١٣) إن كانت تعني بدرا كما عنته الأولى؟ كلّا حيث التقليل هنا (إِذِ الْتَقَيْتُمْ) وهو بداية الالتقاء ، ثم (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) بعدها (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً).
فلقد كان في هذا التدبير الرباني ما حرّض الفريقين بخوض المعركة ، تشجيعا للمؤمنين بكل قواتهم ، وإغراء للكافرين ألا يستعدوا لجدية قاطعة في المواجهة ، فلقوة الروحية والتصميم عليها أثرها العظيم أمام ضعف الروحية والتصميم ، ولقد رأى المسلمون الكفار قليلين في استمرارية المعركة ورآهم الكفار كثيرين (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) كما قضاه (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ولا سيما هذا الذي قدر وسلم.
ذلك ، فليست الغلبة فقط بكثرة العدد والعدد ، بل وأهم منهما نصر الله ، والروحية القوية والتصميم في الصميم على لقاء العدو ، وهكذا كان المؤمنون ينتصرون ما كانوا متوكلين على الله ، مصممين على تحقيق أمر الله ، غير مستكثرين طاقاتهم وإمكانياتهم الحربية ، فأما إذا عكسوا الأمر كما في حنين : (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) فانهزامة عظيمة ، ومن ثم لمّا رجع الأمر إلى موقعه الصالح فغلبة عظيمة ، وهكذا يثبتنا الله تعالى في معارك الشرف والكرامة :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٤٥).
آيات عدة تأمر المؤمنين برعاية سلبيات وإيجابيات في الحروب