والاختلاف بين المؤمنين يفصم طاقاتهم ، وتضعف قواتهم ، وتجعلهم شذ مذر ، مواطئ لأقدام الكفار ، ومجالات لإقدامهم على محقهم وسحقهم في كل أقدامهم.
والتنازع هو التفاعل في النزع وهو بين محظور ومحبور ، فمحاولة كلّ أن ينزع ما عند صاحبه من خير تحويلا له إلى نفسه أم إلى الفناء استئصالا فيهما أم استقلالا هو تنازع محظور.
ثم محاولة كلّ أن ينزع ما عند صاحبه من خير استغلالا دونما استئصال محبور ، فهما بين طرفي التضاد منهيا عنه أو مأمورا به ، ومن التنازع المحبور التشاور في معضلات الأمور إفادة واستفادة ، ومن المحظور التشاطر فيها أن يتبنّى كلّ شخصه وشخصيته دون ابتغاء للحصول على الحق المرام ، فالحق ما يقوله هو مهما كان باطلا ، والباطل ما يقوله سواه مهما كان حقا ، وإن جرى الحق على لسانه هو فهو الحق ، وان سبقه غيره فيه فمحاولة لإبطاله ، ومن مصاديق المحظور منازعة الرسول في الأمر : (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) (٢٢ : ٦٧) ومن المحبور (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) (٥٢ : ٢٣) استرواحا بمزاح ، ثم عوان بينهما هو التنازع الذي ليس عن عداء ، بل هو طبيعة الحال لقصور في المعرفة ، فليردّ ـ إذا ـ إلى الله والرسول : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (٤ : ٥٩).
وهنا بين الفشل والتنازع تفاعل التجاوب ، فالتنازع هو من عوامل الفشل كما هنا ، كما الفشل هو من عوامل التنازع : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) (٣ : ١٥٢). فالفاشلون في العلم والمعرفة وصالح العقيدة هم المتنازعون ، كما المتنازعون هم الفاشلون.
ولأن المنازعة بين المؤمنين محرمة فيما يؤول إلى البغضاء والعداء دون حصول على حق ، فالمفروض ـ إذا ـ التجنب عن أسبابها والاتجاه إلى أسباب التآلف والوحدة.