فإذا استسلم الإنسان لسليم الفطرة والعقلية بقيادة الله في كتابه ، ثم قيادة الرسول في سنته فقد انتفت الأسباب الرئيسية للتنازعات ، وبقيت بقية قليلة هي بالنهاية حصيلة عدم العصمة فاختلاف وجهات النظر رغم وحدة الأصل الصالح ورفض الأصل الطالح.
فإن كنت عادلا تتحرى عن الحق فلتكن عادلا في الإقبال إلى الحق وقبوله ، فحين ترى الحق عند منازعك فتقبله ولا تفتكر أنك ـ إذا ـ مغلوب ، بل أنت غالب على هواك في تقبّل الحق عند من سواك ، إنما المغلوب هو مغلوب الهوى ، والغالب هو الغالب على الهوى.
فحين يكون الحق هو المحور المبتغى فأنت الغالب على أية حال ، وحين تكون الهوى هي المحور المبتغى فأنت المغلوب على أية حال ، فلا بد للسالك في سبيل الحق من التصبّر والصمود أمام نزعات الهوى ونزعات الشيطان الذي يأمرها ، فهو الزاد العظيم مع الإيمان بالله في هذه الرحلة الطويلة المليئة بالأشلاء والدماء وحرمانات الهوى.
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)(٤٧).
هنا المعنيون بهؤلاء هم المنافقون الذين خرجوا مع المؤمنين بظاهرة الجهاد في سبيل الله ، ولكنهم خرجوا بثالوث منحوس من (بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)!
وهكذا المشركون الذين خرجوا في حرب المؤمنين «وذكر لنا أن نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يومئذ : اللهم إن قريشا قد أقبلت بفخرها وخيلاءها لتجادل رسولك ، اللهم إن قريشا جاءت من مكة بأفلاذها» (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ١٩٠ ـ أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية كان مشركو قريش الذين قاتلوا نبي الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر خرجوا ولهم بغي وفخر وقد قيل لهم يومئذ ارجعوا فقد انطلقت عيركم وقد ظفرتم فقالوا : لا والله حتى يتحدث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا وذكر لنا.