وهنا (رِئاءَ النَّاسِ) مما يؤيد أن المنافقين والذين في قلوبهم مرض هم من المعنيين مع المشركين الرسميين ، حيث المشرك يخرج قضية مبدءه فلا رئاء لخروجه ، وقد يعني مع المنافقين جماعة من الذين ظلوا بعد الهجرة في مكة رئاء الناس المشركين وكأنهم منهم ، أم خرجوا معهم في قتال المؤمنين كأنهم معهم.
ف «بطرا» هو الطغيان في النعمة ، فهو هنا بطر الخروج بكل رعونة وتفرّح وتفرّج تبديلا لنعمة الله نعمة ونقمة : (وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) و (رِئاءَ النَّاسِ) لكي يراهم الناس وهو شرك خفي مع جلية للمشركين والمنافقين ، وخفي كما الجلي للذين في قلوبهم مرض من المؤمنين.
ثم (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) صدا ظاهرا جاهرا كالمشركين ، أم صدا منافقا خفيا كغيرهم من هؤلاء الخارجين (وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ).
وهنا «بطرا و» لهؤلاء الأنكاد الأغباش تقابل (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) و (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا) هناك ، ولا يخلو الخروج للقتال من كونه في سبيل الله أم في سبيل اللهو ، فثالوث (بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) هو سبيل اللهو ، ومثمّن «فاثبتوا ولا تكذبوا» هو سبيل الله ، وأين سبيل من سبيل؟
(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٤٨).
هنا مسرح للشيطان صارح وهو صارخ ، قائلا لجنده المشركين : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) وإنما قال (وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) حيث ظهر بصورة سراقة ولكي يصدقوه فيما يقول (١) وذلك قبل أن تراءى الفئتان(فَلَمَّا
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ١٩٠ ـ أخرج الواقدي وابن مردويه عن ابن عباس قال : لما تواقف الناس أغمى على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ساعة ثم سرى عنه فبشر الناس بجبرئيل (عليه السلام) في جند من الملائكة ميمنة الناس وميكائيل في جند آخر ميسرة ـ