من تنزيل الرحمة والعفو عن الذنوب إلا ما رأى يوم بدر ، قالوا يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وما رأى يوم بدر؟ قال : أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة (١).
وقد تأبى نصوص من الآية أن يكون موقف الشيطان من المشركين في بدر كمواقفه الأخرى معهم بأن وسوس إليهم ، لمكان : «وقال لا غالب لكم اليوم ـ وإني جار لكم ـ إني بريء منكم ـ إني أخاف الله» حيث الوساوس الشيطانية عامة ليست فيها كهذه القالات الخاصة ، ثم كيف ينكص الشيطان على عقبيه وهو غير ظاهر ، فمم يخاف إذا حتى ينكص إلّا إذا كان ظاهرا في المسرح ، وبكل مصرح من قاله وفعاله.
وهل ترى للشيطان هذه القوة القاهرة أن يتصور بصورة الإنسان فيضلّه ويدلّه؟ إذا فله أن يجند جنوده كما الله يجند الملائكة فيهزم المؤمنين!
كلّا ، فإن الله لم يخوّله من ذلك شيئا ولن ، وهنا تصوّره بصورة الإنسان كان لطالح المشركين أن انغرّوا به ، ولصالح المسلمين أن تغلّبوا عليهم ، ثم هو حجة زائدة على المشركين حيث ظنوه سراقة ثم تبين أنه غيره (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).
ولقد كانت هنا مقارنة في ثالوث : الشيطان ـ المشركين ـ والمنافقين :
(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٤٩).
هنا المقابلة بين المنافقين والذين في قلوبهم مرض تعني ذكر العام بعد الخاص ، فالآخرون ـ إذا ـ هم المشركون ، والمنافقون غير الرسميين من ضعفاء الإيمان ، أم هؤلاء الذين أسلموا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم قائلين (غَرَّ هؤُلاءِ) المؤمنين «دينهم» إذ يقابلون على قلتهم عددا وعددا هؤلاء الكثرة القوية من المشركين ، والجواب كلمة واحدة
__________________
(١) رواه مالك في الموطأ بسند متصل عن طلحة ابن عبيد الله بن كريز.