المقتضية لجمعية الإهلاك ، ثم في الأولى (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) بنفس القضية ، عقابا شاملا للذين من قبلهم آل فرعون ، وفي الثانية (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) تصريحا بنوعية العقاب لخصوص آل فرعون.
وأخيرا هنا (وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) هؤلاء الذين كفروا بهذه الرسالة ، وآل فرعون والذين من قبلهم.
فهذه الثانية تأكيدة مع تفصيلة للأولى مع اختلاف الموقع وهامة الموضوع حيث يقتضي بنفسه التكرار فضلا عما بيناه وما أشبه من مبررات التكرار.
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٥٥).
وترى كيف تتفرع «لا يؤمنون» على «كفروا» وهما سيان في عناية عدم الإيمان؟
«كفروا» تعني : ستروا ، كما ستروا الحق عن أنفسهم وكما يقول (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ) (١١ : ٦٨) فقد يعني «كفروا» الطليقة ـ هنا عن أي متعلّق ـ ثالوث الكفر ، إذ : كفروا أنفسهم عن درك الحق ، وكفروا الحق عن أن يدرك ، وكفروا بالله.
ذلك ، وقد تترجم هذه الآية آية أخرى هي : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (٨ : ٢٢) إذا فقد (كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) حيث السد لمنافذ الإيمان صد عن الإيمان فهم بطبيعة الحال «لا يؤمنون» بما ختموا على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فختم الله عليها.
وهنا يعرف أن القصد من الكفر هو الكفر المطلق دون مطلقه ، فقد يؤمن الكافر إذا لم يتعرق الكفر في نفسه ، فالكافر المتحير غير المعاند للحق ـ فضلا عن متحريه ـ قد يؤمن حين تصله دلائله ، ولكن المعاند المتعمد المتجرئ على الحق لا يرجى خيره ، فالواجب إزالته حفاظا على كرامة الإيمان عن أن ينصدم بضلاله وإضلاله لمكان الفتنة التي هي أكبر وأشد من القتل.