فمن الدواب ما هي شرّيرة خلقة وقصورا ، ومنها ما هي شريرة تقصيرا دون أن يحلّق الشر عليها فقد يرجى أن تبوء إلى خير ، ولكن الدابة المقصّرة التي حلّق الشر العاند العامد على كيانه ككل ، فهذه هي (شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ) : (الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).
ليس هؤلاء متجردين عن الخصيصة الفطرية الإنسانية فحسب ، بل وعن الفطرة البهيمية أيضا ، فالبهيمة تنطلق على بهمها لو لا القيود المفروضة عليها وهم منطلقون رغم كل قيد وعهد :
(الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ)(٥٦).
فليس ـ فقط ـ انهم لا يؤمنون بالله ، بل ولا يؤمنون بعهودهم التي عاهدوها معكم حيث (يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) ـ (عاهَدْتَ مِنْهُمْ) ألا يبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بسوء (وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) : أيّة تخلفة ، وانطلاقة عن أية عهود وقيود ، فلا يربطهم عن شماسهم أي رباط منكم ولا منهم أنفسهم في عهودهم ، فلا علاج عن بأسهم إلا نقض عهودهم هذه التي هم ينقضونها في كل مرة ، وإلا قتالهم واستئصالهم حتى يخلوا جو الإنسانية من بأسهم وتعسهم.
فإنما العهد الملتزم هو المستقيم الذي يطمئن ، دون المنزلق المنحلق (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) معاملة معهم بالمثل ، فإن لم يستقيموا لكم فلا تستقيموا لهم ، حيث الاستقامة مع غير المستقيم اعوجاج ، وانخداع فانخلاع عن الأمنة إلى شفا جرف الهلكات.
وهنا قواعد حربية مستفادة من آيات عدة نحن أمامها ، نعد منها عشرا :
١ الكفار الذين يعاهدون المعسكر الإسلامي معاهدات ثم تنقضون عهدهم في كل مرة ، إذا :
(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)(٥٧).