ذلك ، فلا يجوز نقض عهدهم ما لم ينقضوا ولا تخافن منهم خيانة (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) وكما أن نقضهم عهدهم خيانة ، كذلك نقضكم عهدهم قبل نقضهم ، أم نقضكم ولمّا ينقضوا ، وهم دائبون في النقض على تخوف من خيانتهم ، إلّا أن تنبذ إليهم على سواء ، فنقض عهدهم دون نبذ وإعلام بالنقض خيانة (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) كفارا كانوا أم مؤمنين.
وقد نزلت الآية في بني قريظة حيث خوفته (صلّى الله عليه وآله وسلم) خيانتهم وهم
ينقضون عهدهم في كل مرة (١) وقد عاهدوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ثم أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، وهنا لك حقل (إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) بعد نقض منافق للعهد ، وأما النقض الجاهر فقد يترقب به نقض جاهر مثله ، فلا مورد إذا للإعلام بنقضه ، إنما المحتاج إليه ما لم ينقض جاهرا ، وقد قاتل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أهل مكة لما نقضوا عهدهم جاهرا بقتل خزاعة وهم من ذمة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وهنا «على سواء» برهان قاطع لا مرد له أن النبذ إليهم ليس إلّا بعد نبذهم وتخوّف خيانتهم ، فلكل نبذ نبذ مثله على سواء ، دون أن يبرّر نبذ ولمّا ينبذ العدو مهما كان ينبذ في كل مرة ، فانظر إلى السماحة الإسلامية
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ١٩١ ـ أخرج أبو الشيخ عن ابن شهاب قال : دخل جبريل (عليه السلام) على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال : قد وضعت السلاح وما زلنا في طلب القوم فأخرج فإن الله قد أذن لك في قريظة وأنزل فيهم (وَإِمَّا تَخافَنَّ) وفيه عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال : لا تقاتل عدوك حتى تنبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ، وفيه أخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن سليم بن عامر قال : كان بين معاوية وبين الروم عهده وكان يسير حتى يكون قريبا من أرضهم فإذا انقضت المدة أغار عليهم فجاءه عمرو بن عبسة فقال : الله أكبر وفاء لا غدر سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول : من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقده ولا يحلها حتى ينقضي أمرها أو ينبذ إليهم على سواء.