وجوابا عن السؤال : كيف بعث أبا بكر أولا ثم عزله بعلي وهو (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)؟ نقول : كان بعثه إياه وعزله كلاهما بوحي من الله ، تدليلا على أنه لا يصلح مؤديا عنه بعد مماته حين لا يصلح أن يؤدي عنه في حياته ، تذكارا للغافلين الذين سوف يرتئون خلافته لكونه صاحبه في الغار أم لكبر سنه وما أشبه من حجج داحضة.
وقيلة البعض من المتعصبين لأبي بكر أن عادة العرب جارية في مثل هذه المواقف أن يبعثوا من أهليهم دون الغرباء ، هي غيلة على الرسول
__________________
ـ لا شك فيه عزل أبي بكر ، فكيف يأمر المعزول أبا هريرة أم عليا الذي هو المأمور بأخذ البراءة عنه؟
ولقد تشوشت الروايات قصدا أم إهمالا حتى يضل الحق في هذا البين ، ففي عدد الآيات المبعوثة بين تسع وعشر وست عشرة وثلاثين وثلاثا وثلاثين وسبعا وثلاثين وأربعين وتمام البراءة ، اختلافا سداسيا فيها في عدد الآيات المبعوثة ثم في قصة بعث البراءة منها المتواترة أنه عزل واسترجع أبا بكر وبعث عليا مكانه فتساءل لماذا عزلتني فقال : «لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني ـ أو علي ـ كيف تؤدي عني وأنت صاحبي في النار» ، ومنها اليتيمة الدالة على أن أبا بكر ذهب لوجهه أميرا على الحاج ، فأمر عليا وأبا هريرة أن يأذنا بما أرسل! خلافا للتواتر الأول!
أجل ، وكيف يبعث أبو بكر في هذه المهمة وهو صاحب الغار حيث هو المختار له في الأخطار ، وكما تظافر النقل أن أبا بكر وعمر فرّا من بعض الغزوات كما عن تسعة من فطاحل العامة ، فقد روي أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) اختار أبا بكر وأعطاه الراية يوم خيبر فرجع منهزما ، وفي أخرى أنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعد فراره أختار عمر وهو اختار الفرار على القرار حتى فتح الله على يد الحيدر الكرار وقد صرح بمثل ذلك جماعة من الأعلام مثل أبو داود الطيالسي في مسنده (٨ : ٢٦٤) ينقل فرار عمر وعثمان ، والطبري في تفسيره (٢ : ١٩٩) ينقل فرار عمر في غزوة أحد والهيثمي في مجمع الزوائد (٩ : ١٢٣) ينقل فرار أبي بكر وعمر وان عمر كان يجبن أصحابه ، وشارح المواقف (٢ : ٤٧٥) ينقل فرارهما في غزوة حنين ، وابن قتيبة في كتاب المعارف (٥٤) والكاشفي في المعارج الركن الرابع (٣٧٠) والترمذي في المناقب المرتضوية (٤١٠) والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد بن حنبل (٤٤) ينقل فرارهما في غزوة خندق ، والطبري يحكي فرار عثمان في تفسيره (٢ : ٢٠٣) وفرار عمر في غزوة خندق (٢ : ٣٠٠)