لإمرته بحديث البراءة دون نكير ، وفي حديث ابن عباس (١) وأضرابه تصديقه ، وكما تواتر ـ أيضا عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) حديث المناشدة يوم الشورى وسواه ، فذلك إطباق من أئمة الإسلام ومعظم الرواة والمصنفين والمفسرين على قصة حديث البراءة ، فهم براء كلهم ممن تبرء من مضمونه.
وذلك كله دليل على الهامة المتميزة لرسالة البراءة إلى المشركين ، فما كانت هي رسالة يصح أو يسمح لحملها غير الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو من هو منه ، فمادة رسالة البراءة كانت أحكاما جديدة جادة لمّا تبلّغ إلى من يجب تبليغها إليه ، وهذه تختلف عن الدعوة العامة إلى الإسلام ، أو الكتابات المرسلة إلى الملوك والرؤساء ، فالفارق بينهما أن رسالة البراءة رسالة أصيلة غير مسبوقة بإعلام فهي من اختصاصات الرسول أو من هو منه ، وتلك وما أشبه هي رسالات عامة يحملها كل من يصلح لحمل الرسالات العامة المسبوقة بالإعلام ، ولقد كفت «لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني» دلالة على ميزة رسالة البراءة هذه ، ولا ينكرها إلا نكير عقله وضميره.
على أية حال لقد أدى الإمام علي (عليه السلام) هذه الرسالة الهامة يوم الحج الأكبر ، بازغا ب (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) أذانا من الله ورسوله يوم الحج الأكبر (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) مهددا إياهم بالعتل بعد الأشهر الحرم (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).
__________________
(١) أخرج ابن عساكر باسناده من طريق الحافظ عبد الرزاق عن ابن عباس قال : مشيت وعمر بن الخطاب في بعض أزقة المدينة فقال : يا ابن عباس أظن القوم استصغروا صاحبكم إذ لم يولده أموركم ، فقلت : والله ما استصغره رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إذ اختاره لسورة براءة يقرأها على أهل مكة ، فقال لي : الصواب تقول والله لسمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي بن أبي طالب : من أحبك أحب الله ومن أحب الله أدخله الجنة مدلا(كنز العمال ٦ : ٣٩١ وشرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٠٥).