ومن ذا الذي يجرأ على أداء هذه الرسالة في وسط من الإشراك ـ مهما فتحت مكة ـ دونما تخوف ومجارات إلّا الذي بات على فراش الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) في وسط المشركين المهاجمين ، دون الذي صاحبه في الغار عدة للفرار وهو مع ذلك خائف لحد يستحق النهي!
تنزل هذه السورة قبل المائدة وبعد الفتح ، معدة للمشركين أن يستعدوا للإسلام أو الاستسلام ، بما تتضمن أحكاما نهائية في صلات وعلاقات بين كتلتي الإيمان والكفر ، كما تضمنت تصنيف كلّ من الضّفتين.
فالسورة ـ إذا ـ ذات أهمية في بيان المنهج الحركي للإسلام ، والتكتيكي لارتجاع عاصمة الإسلام كاملة بعد ما فتحت وبعد تأسيس دولته بعيدا عن العاصمة ، وذلك بكل حسم ومرونة ، حسما في مجاله ومرونة في مجالته.
وهذه السورة بطبيعة حالها بعد الكل وقبل الأخيرة ، هي في عرض الأحكام بين مرحلية ونهائية ، مرحلية هي نهائية للمرحليات السابقة ، وبدائية طليقة للمائدة.
نجد مقاطع ستة للسورة في دراسة عنها خاطفة ، هي في الحق عرض لأخطر المواقف للدولة الإسلامية أمام أهليها بمختلف من فيها وما فيها من أوساط حرجة مرجة لتخلخل جموع من مختلف الطوائف في هذا الدين الجديد ، جادّين أم منافقين أم عوان بينهما.
في المقطع الأول ـ وهو ثمانية وعشرون من آيها ـ عرض لتحديد العلاقات النهائية والوقائية بين المعسكر الإسلامي وجموع المشركين ، فإنها قوية التحضيض والتأليب على قتالهم ، لما في المرونة معهم عرونة للهيكل الإسلامي السامي.
والمقطع الثاني يضمن تحديدا وتجديدا للعلاقات النهائية بين المسلمين وأهل الكتاب بصورة عامة ، من (قاتِلُوا الَّذِينَ ـ إلى ـ