وإذا لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) ليعرفوا أنه لا إله إلّا هو وأن محمدا (صلّى الله عليه وآله وسلم) رسوله.
ذلك ، ولأن التعرف إلى العقلية الرسالية له بابان اثنان ، ١ التفكر في قالات الرسول وحالاته وفعالاته وكما عناها رسل المسيح ردا على الناكرين : (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) (٣٦ : ١٦) حيث وجهوهم إلى التربية الرسالية الباهرة فيهم ، ثم النظر في ملكوت السماوات والأرض حيث يوصل إلى معرفة الله ، وضرورة الرسالة من الله ، والرجوع إلى الله ، ثم إذا تفكروا في صاحبهم وجدوه رسولا من الله يحمل تفاصيل هذه الأصول وسائر الفروع.
ومن ثم (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) فليتقوا ربهم قبل فجأة الأجل (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) : بعد الله إلها وبعد محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) رسول الإله ، وبعد القرآن كتاب الله؟ والدلائل القاصعة قاطعة كل شك وريبة عن ساحة هذه الرسالة التوحيدية.
والحديث يعم الحادث الذات والصفات والأفعال ، وحادث الذكر الذي يتحدث عنه ، فالقرآن ورسول القرآن حديثان ذاتا وذكرا ، والله تعالى حديث يتحدث عنه في كافة الحقول المعرفية فإيمانا أو نكرانا ، فكما أن آيات الله حديث يتحدث عنها في الاستدلال بها على الله ، كذلك الله وهو رأس كل حديث : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) (٤٥ : ٦).
ذلك ، والملكوت في حقل النظر المعرفي لها درجات أعلاها هي المختصة بالله ، وهي الحيطة العلمية الحقيقية : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٣٦ : ٨٣) وأدناها هي العامة لكل السالكين إلى الله على درجاتهم فدرجاتها ، وهي المأمور بها هنا وفيما أشبه أن (يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) فيهما تذرعا بها إلى معرفة الله كما هنا ، وأوسطها هي الخاصة بالرعيل الأعلى من السابقين والمقربين المكرمين كمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)