والمحمديين من عترته المعصومين (عليهم السلام) ، ثم من دونهم كإبراهيم الخليل في مثل (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) حيث تطلّب كيفية الإحياء وهي ملكوت فعل الله ، وقد أوتيها قدر ما يمكن لمن سوى الله على قدر المعرفة والكيان الإبراهيميين ، وفي قصة رؤية الكوكب والقمر والشمس : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (٦ : ٧٥).
فالخلق كله بمراتبه مجال فاسح للنظر في ملكوته للحصول على معرفة الله بدرجاته ، والنظر المأمور به إليه عبارة عن تحديق حدقة العقل والفطرة إليه إبصارا إلى كيانه أزلية أم حدوثا ، ثم من الحدوث إلى المحدث وهو الله تعالى شأنه العزيز (١).
أجل إن كتابي التكوين والتدوين التشريع هما من كاتب واحد ، يدل عليه التجاوب التام بينهما ، فكما (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) (٦٧ : ٤) كذلك كتاب التدوين (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٤ : ٨٢) ثم ولا نجد بين الكتابين أنفسهما اختلافا لو أننا أجدنا النظر واعتبرنا بالعبر.
إن التوازن المقصود ملحوظ في خلق الرحمن حين نتفكر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء ، ملحوظ في بناء الذرة كما هو ملحوظ في بناء المجرّة ، ولو اختل قيد شعرة لفسد الخلق عن بكرته ،
__________________
(١) للاطلاع الوسع على مراتب الملكوت راجع إلى تفسير آية الأنعام ، وفي الدر المنثور ٣ : ١٥٠ عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): رأيت ليلة أسري بي فلما انتهينا إلى السماء السابعة نظرت فوقي فإذا أنا برعد وبرق وصواعق قال : وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم ، قلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال : هؤلاء أكلة الربا فلما نزلت إلى السماء الدنيا فنظرت إلى أسفل مني فإذا أنا برهج ودخان وأصوات فقلت ما هذا يا جبرئيل؟ قال : هذه الشياطين يحرجون على أعين بني آدم أن لا يتفكروا في ملكوت السماوات والأرض ولو لا ذلك لرأوا العجائب.