الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٢ : ١٩٠) وليس الاعتداء في حقل القتال بالذي يقبل النسخ حتى يظن نسخ الآية بما يظن ، وأما (قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ ـ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (٢ : ١٩٣) و (٨ : ٣٩) فقد تعني قتال المفتتنين على المؤمنين والمستضعفين ، سواء أكانت فتنة نفسية أم عقيدية أماهيه من فتن مدمرة مزمجرة.
ففيما يقول الله (اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) (٢ : ١٩١) فقد يعني (الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) كما في سابقتها ، وأحيان يقول : «قاتلوهم» فالمفاعلة تعني مادة الفعل المتداول بين طرفيه ، فلا تعني إلا قتال الذين يقاتلوننا أم هم يريدون قتالنا فندافع إذا عن أنفسنا.
وليس المعني من الفتنة التي لأجلها يسمح في قتال الفاتنين ، إلا الأخطار المتجاوزة من أهليها ، وأما هؤلاء الكفار الذين لا يفتنون المؤمنين ولا سائر المستضعفين فلا أمر ولا سماح لقتالهم أبدا.
فالقتال الإسلامي هو فقط قتال كافّة ، تكف بأس الذين كفروا (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (٩ : ٣٦).
فالتقوى في القتال هي الاتقاء عنه في غير الكف والاعتداء بالمثل ، كفا عن فتنتهم واعتداء كما اعتدوا ، ثم لا قتال بعد! وإنما (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (٢٢ : ٣٩).
(لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)(٤٢).
العرض هو العارض الزائل دون أصالة ذاتية ، فهو مقابل الذات الأصيلة : (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) (٤ : ٩٤) (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا)(٧ : ١٦٩) (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)(٨ : ٦٧).