فهذه الشقة مسافة ومصافة خاوية عن عرض قريب ومرض غريب كانت تمنعهم عن هذه الغزوة ، وهنا المندّد بهم هم جمع منهم لا كلهم أو كثير منهم لمكان : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) إذا رجعتم إليهم : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) فهم الذين في قلوبهم مرض من المنافقين وأضرابهم ، و (إِلَّا تَنْصُرُوهُ) تعمهم دون صالحي المؤمنين المناصرين إياه على أية حال.
هؤلاء الهلكى الأنكاد (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) إعذارا لا يقبل ، وتخلفا عن المفروض واستحقاقا للعذاب (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في قالتهم : (لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) وأمثالها (١).
وهذه السلسلة من آيات الجهاد هي منقطعة النظير في مسارحه ، إذ كانت غزوة تبوك هي من أشد الغزوات عليهم وأحدّها فيهم ، حيث
__________________
ـ وتقول ما تقول ثم تقول لقومك : لا تنفروا في الحر والله لينزلن الله في هذا قرآنا يقرءه الناس إلى يوم القيامة فأنزل الله على رسوله في ذلك : ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني إلا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين ، ثم قال الجد بن قيس : أيطمع محمد أن حرب الروم مثل حرب غيرهم؟ لا يرجع من هؤلاء أحد أبدا.
(١) نور الثقلين ٢ : ٢١٢ في كتاب التوحيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الآية قال : أكذبهم الله عزّ وجلّ في قولهم : (لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) وقد كانوا مستطيعين للخروج ، وفي تفسير العياشي عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله في الآية ، انهم يستطيعون وقد كان في علم الله لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لفعلوا.
وفي الدر المنثور ٣ : ٢٤٦ ـ أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قيل له : ألا تغزو بني الأصفر لعلك أن تصيب ابنة عظيم الروم؟ فقال رجلان : قد علمت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن النساء فتنة فلا تفتنا بهن فائذن لنا فأذن لهما فلما انطلقا قال أحدهما إن هو الأشحمة لأول آكل فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينزل عليه شيء في ذلك فلما كان ببعض الطريق نزل عليه وهو على بعض المياه (لَوْ كانَ عَرَضاً ..) ونزل عليه (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ..) ونزل عليه (لا يَسْتَأْذِنُكَ ..) ونزل عليه (إِنَّهُمْ رِجْسٌ ..).