كما وأن «حتى تعلم» تبيّن أن ذلك لم يكن محظورا في أصله ، وقد يتبين من آيات تالية أن في حضورهم محظورا ، إذ (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)(١).
ومن عفوه تعالى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه تعالى عرّفهم خلال هذه الآيات البينات ، فاستأصل ـ إذا ـ حظر إذنه لهم ، حيث النتيجة من عدم إذنه حصلت بهذه الآيات ، ونتيجة إذنه أنهم كانوا خبالا وفتنة لو حضروا ، فلا مبرر إذا لتكلّفات فارغة عن الحق المرام ، وكأن «هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة ، خاطب الله تعالى بذلك نبيه وأراد به أمته» (٢) فمن ذا الذي أذن لهم من الأمة حتى يفسر ذلك الخطاب تأويلا إليهم دونه؟! ، وهو ـ فقط ـ قائد القوات المسلحة ، وليس لأحد أن يأذن لأحد دون إذنه.
وغاية ما هنالك أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أذن عاجلا دون تثبت ، فلم يتبين له الذين صدقوا ويعلم الكاذبين ، فإن لم يأذن كانوا يقعدون كما أذن ، فكان يعرفهم أنهم كاذبون (٣).
ذلك ، فلم يكن إذنه ـ إذا ـ بإذن الله ، مهما كان معذورا لم يكن في إذنه عاصيا لله ، ولكنه كيف يتلائم إذنه هذا ـ إذا ـ مع (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٢٢٣ في عيون الأخبار باسناده إلى علي بن محمد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا (عليه السلام) فقال له المأمون : يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال : بلى ، قال : فما معنى قول الله عزّ وجلّ ـ إلى أن قال ـ : فأخبرني عن قول الله عزّ وجلّ (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) قال الرضا (عليه السلام) : هذا مما نزل ... كذلك قول الله عزّ وجلّ (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) وقوله (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) قال : صدقت يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
(٣) الدر المنثور ٣ : ٢٤٧ ـ أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (عَفَا اللهُ عَنْكَ) قالوا : استاذنوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فان أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.