فمن الناس من لا يسمع إلى أي قائل فلا يهتدي به ضال ، أو يسمع إلى أي قائل فيه خلط للحق بالباطل ، وهذان هما أذنا شر ، وأما الداعية الرسالية فهو «أذن خير» ليس في سماعه إلى كل أحد إلّا خير ، فإن كان حقا يصدفه ويزيده ، وإن كان باطلا يرشده.
أجل انه (صلى الله عليه وآله وسلم) أذن صاغ طليق لمثل الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ لا يقول إلا حقا مستحقا للإصغاء ولذلك أيضا سموه أذنا إزراء بساحته ومسا بكرامته ، فقد ذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا وما أوصى الله فيه وذكر المنافقين والآثمين والمستهزئين بالإسلام وكثرة أذاهم لي حتى سموني أذنا وزعموا أني كذلك
__________________
ـ وكان يقعد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيسمع كلامه وينقله إلى المنافقين وينّم عليه فنزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله أن رجلا ينم عليك وينقل حديثك إلى المنافقين فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من هو؟ فقال : الرجل الأسود الكثير شعر الرأس ينظر بعينين كأنهما قدران وينطق بلسان الشيطان فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره ف حلف الله انه لم يفعل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قبلت ذلك منك فلا تقعد فرجع إلى أصحابه فقال : إن محمدا اذن أخبره الله أني أنم عليه وأنقل أخباره فقبل وأخبرته أني لم أفعل ذلك فقبل فأنزل الله على نبيه (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ..) أي يصدق الله فيما يقول له ويصدقك فيما تعتذر إليه في الظاهر ولا يصدقك في الباطن أقول : دليلا على عدم تصديقه في الباطن ظاهر قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) له : «فلا تقعد» فلو كان تصديقا له في براءته لم يكن إذا دور ل «لا تقعد» فهذا إذا تكذيب بلسان التصديق لكيلا ينفضوا من حوله.
وفي تفسير الفخر الرازي ١٦ : ١١٦ روى الأصم أن رجلا منهم قال لقومه : إن كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمير فسمعها ابن امرأته فقال : والله أنه لحق وإنك أشر من حمارك ، ثم بلغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك فقال بعضهم : إنما محمد اذن ولو لقيته وحلفت له ليصدقنك فنزلت الآية على وفق قوله فقال القائل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لم أسلم قط قبل اليوم وإن هذا الغلام لعظيم الثمن على والله لأشكرنه ثم قال الأصم : أظهر الله تعالى عن المنافقين وجوه كفرهم التي كانوا يرونها لتكون حجة للرسول ولينزجروا.