تتوارد على فضحهم بما يقولون ، أو ما ينوون وما يفعلون وما يضمرون من عداء عارم ضد المؤمنين ، ولقد سميت التوبة البراءة ـ فيما سميت ـ ب «الفاضحة» حيث تحمل فضحهم أكثر من كل سورة في القرآن ، فلذلك لا حرج هنا ولا حذر على المؤمنين ، فليكيدوا هم كيدهم ويميدوا ميدهم ، ف (قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ)(١).
ثم (سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ) لا تعني التي تختص بهم ، وإنما ما تحمل فضحهم بكثير أو قليل ، إذا فكل السورة التي تتحدث عنهم هي معنية ب (سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ).
وهنا «عليهم» لا تعني نزول سورة وحيا إليهم ، وإنما تعني «على» فضحا وإضرارا بهم ، ولقد جربوا أن الله ليس ليخفي على رسوله مكائدهم الظاهرة بينهم ضد المؤمنين ، والمبطنة عندهم ، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو نفسه يعرفهم في لحن القول : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) (٤٧ : ٣٠).
ذلك ، فلا يرد على الآية ما خيّل إلى ناس بسطاء أم شياطين أن كيف (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ) وهم لا يؤمنون بالوحي فضلا (أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ) وهي لا تنزل إلّا على رسول الوحي؟.
هذا لأنهم (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) فهم على
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٢٣٦ عن تفسير القمي في الآية قال : كان قوم من المنافقين لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى تبوك يتحدثون فيما بينهم ويقولون : أيرى محمد أن حرب الروم مثل حرب غيرهم لا يرجع منهم أحد أبدا ، فقال بعضهم : ما أخلفه أن يخبر الله محمدا بما كنا فيه وبما في قلوبنا وينزل عليه قرآنا يقرأه الناس وقالوا هذا على حد الاستهزاء فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمار بن ياسر : ألحق القوم فإنهم قد احترقوا فلحقهم عمار فقال : ما قلتم؟ قالوا : ما قلنا شيئا إنما كنا نقول شيئا على حد اللعب والمزاح فأنزل الله (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ).