استيقانهم بحق الوحي يجحدونه ظالمين ، والله يخبر عن طويتهم أنهم يحذرون بما هم يعرفون الوحي وما هم مجربون ، حيث تكرر إنباءات الله ورسوله والمؤمنين عن نياتهم وطوياتهم ، وعن قالاتهم سابقة ولا حقة.
وهنا (اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) يعني إخراجه عن مخبئه ، فإخراجا لمخبئه ، والأمر الظاهر الذي يمكن الحصول عليه بتجسس وتحسس ليس ليخرج ، إنما يخرج المكتوم غير المعلوم ، ولقد بلغ من حذرهم أن تنزل عليهم سورة تنبئهم أنهم (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) (٦٣ : ٤).
ذلك ، ثم الحذر لا يلازم العلم بالمحذور المحظور ، فقد يكفيه مجرد احتمال ، فهب إن هؤلاء المنافقين لم يكونوا على يقين بصدق الوحي ، ولكن احتماله على أية حال وارد ، إذ لا يملكون برهانا على كذبه ، وساطعة البراهين على صدقه ظاهرة باهرة.
وقد يحتمل إضافة إلى ما قدمناه أن ضمير الجمع الغائب في «عليهم ـ تنبئهم» راجع إلى المؤمنين وفي «قلوبهم» إليهم أنفسهم ، والأول أرجح والجمع أنجح.
ومن ناحية أخرى في «عليهم» قد يوجه بأنهم عائشون خلال المؤمنين ، فالآيات التي تعنيهم كأنها منزلة عليهم ، وقد يقربه (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ) (٢ : ٢٣١) حيث تعني «على» نزولا بشأنهم دون أن يوحي إليهم تنزيلا لوحي الكتاب ـ دون وسيط الرسول ـ عليهم (١).
__________________
(١) في تفسير الفخر الرازي ١٦ : ١٢٠ قال الحسن اجتمع اثنا عشر رجلا من المنافقين على أمر من النفاق فأخبر جبريل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسمائهم فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن أناسا اجتمعوا على كيت وكيت فليقوموا وليعترفوا وليستغفروا ربهم حتى اشفع لهم فلم يقوموا فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك : قم يا فلان ويا فلان حتى أتى عليهم ثم قالوا : نعترف ونستغفر فقال : الآن؟ أنا كنت في أول الأمر أطيب نفسا بالشفاعة والله كان أسرع في الإجابة أخرجوا عني اخرجوا عني فلم يزل يقول حتى خرجوا بالكلية ، وفيه قال الأصم : إن عند رجوع رسول الله (صلى الله عليه وآله ـ