ووجه آخر في ذلك الحذر أنه كان على سبيل الاستهزاء كما يؤيده (قُلِ اسْتَهْزِؤُا ..).
ذلك حذرهم في أنفسهم فحظرهم فيما ينزل عليهم ثم هم يتساءلون :
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ)(٦٥).
(لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) عن هزءهم بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والذين معه ، وما في قلوبهم من طويات خبيثة «ليقولن ..» وهذا إخبار يغيب مستقبل ، وكان لهم ألا يقولوه لمّا سمعوا الوحي هكذا يفضحهم ، ولكنهم قالوه كما قال الله عنهم (إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) وهل الخوض في آيات الله واللعب بالله ورسوله يبرره أي مبرر ، وذلك استهزاء صريخ صريح : (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ)؟ وقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم (١) ما قال.
__________________
ـ وسلم) من تبوك وقف له على العقبة إثنا عشر رجلا ليفتكوا به فأخبره جبرئيل وكانوا متلثمين في ليلة مظلمة وأمره أن يرسل لهم من يضرب وجوه رواحلهم فأمر حذيفة بذلك فضربها حتى نحاهم ثم قال : من عرفت من القوم؟ فقال : لم أعرف منهم أحدا فذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أسماءهم وعدهم له وقال : إن جبرئيل أخبرني بذلك فقال حذيفة : ألا تبعث إليهم ليقتلوا؟ فقال : أكره أن تقول العرب قاتل محمد بأصحابه حتى إذا ظفر صار يقتلهم بل يكفينا الله ذلك.
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٥٤ ـ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن عمر قال قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوما : ما رأينا مثل قرآننا هؤلاء لا أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونزل القرآن قال عبد الله : فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والحجارة تنكيه وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ، وفيه عن قتادة في الآية قال بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوته إلى تبوك وبين يديه أناس من المنافقين فقالوا : أيرجو هذا الرجل أن يفتح له قصور الشام ـ