وهنا «تستهزءون» تعمم حكم الاستهزاء ـ وهو الكفر والارتداد ـ إلى كل من يستهزأ بالدين مهما كان مسلما مؤمنا ، فضلا عن المنافقين ، إذ لا يعني الاستهزاء ـ فقط ـ النكران ، بل هو شديد النكران ، فمن منكر ساكت لا يستهزأ ، وأما المستهزء فهو منكر ماقت!.
ويا له عذرا غادرا : (نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) وكيف يخاض في الدين ويلعب به إلّا بنكران هازئ ، حيث الحق لا يتحمل الخوض واللعب إلّا بذلك النكران البعيد والكفر الشديد!.
(لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) (٦٦).
«لا تعتذروا» حيث لا عاذرة عن الكفر المتعمّد و (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) وهنا تقابل الإيمان بالكفر دليل على أنهم بين منافقين وبسطاء مضلّلين ، فكفر طائفة منهم بعد إيمانهم هو جاهر الكفر بعد ظاهر الإيمان فلا يعفى عنهم ، وكفر طائفة أخرى هو واقع الكفر بعد واقع الإيمان ، فلذلك يصح هنا التقسيم (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) وهم المضللون حين يتوبون.
(نُعَذِّبْ طائِفَةً) أخرى (بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) حيث تعرّق الإجرام وتعمّق في قلوبهم ، فهم رؤوساء الضلالة وحملة مشاعل المتاهة والغواية حيث عاشوا ردحا بعيدا من الزمن ذلك الإجرام فكيف يعفى عنهم فهم ـ إذا ـ لا يتوبون (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ..) (٧٤) ، خلاف الأولين الذين كان كفرهم بسيطا
__________________
ـ وحصونها هيهات هيهات فأطلع الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك فقال نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) احبسوا على هؤلاء الركب فأتاهم فقال : قلتم كذا قلتم كذا؟ قالوا يا نبي الله إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله فيهم ما تسمعون ، وفيه عن سعيد بن جبير قال : بينما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسيره وأناس من المنافقين يسيرون أمامه فقالوا : إن كان ما يقول محمد حقا فلنحن شر من الحمير فأنزل الله تعالى ما قالوا فأرسل إليهم ما كنتم تقولون فقالوا : إنما كنا نخوض ونلعب.