دون تعنّد وتعمق (١).
واحتمال ثان أن يختص العفو بحاضر العذاب دون مستقبله لاختلاف دركات نفاقهم شدة وضعفاء ، ولكن الظاهر هو الأول ف «نعف» إذ يتوبون ، و «نعذب» إذ لا يتوبون ، أم وتوبتهم توبة نفاق غير وفاق.
هنا يذكر (بَعْدَ إِيمانِكُمْ) لتشمل الذين آمنوا ثم كفروا ونافقوا عن جهل وبساطة ، إلى هؤلاء الذين أسلموا منافقين ، ثم ازدادوا كفرا ونفاقا ، ولذلك لما يفرد الآخرون يبدل الإيمان فيهم بالإسلام : (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ).
ووجه ثالث أن الإيمان يعم الإيمان باللسان إلى الإيمان بالجنان والأركان ، وكما يخاطب الذين آمنوا بوظائف عامة فتشمل كل من أقر بالإيمان.
ووجه رابع أنه صحيح الإيمان وخفيفة الذي يزول بعارض مّا ، وكما ل (الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) (٧ :)
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٢٣٨ عن تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله : «لا تعتذروا ..» قال : هؤلاء قوم كانوا مؤمنين صادقين ارتابوا وشكوا ونافقوا بعد إيمانهم وكانوا أربعة نفر ، وقوله : (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) كان أحد الأربعة مخشى بن الحمير فاعترف وتاب وقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أهلكني اسمي فسماه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عبد الله بن عبد الرحمن فقال : يا رب اجعلني شهيدا حيث لا يعلم أحد أين أنا فقتل يوم اليمامة ولم يعلم أين قتل فهو الذي عفى الله عنه. أقول : لم يسم هذا الواحد طائفة فانه شأن لنزول الآية وهي تعني كل من يصلح للعفو كأمثاله على مدار الزمن ، وكما الطائفة الأخرى لا تعني الآخرين بأعيانهم.
وفي الدر المنثور ٣ : ٢٥٥ ـ أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وأبو الشيخ عن الكلبي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أقبل من غزوة تبوك وبين يديه ثلاثة رهط استهزءوا بالله وبرسوله وبالقرآن ، قال كان رجل منهم لم يمالئهم في الحديث يسير مجانبا لهم يقال له يزيد بن وديعة فنزلت إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة ، قال : الطائفة رجل واحد.