ثم يليهم الآخرون المتآمرون المتناهون ، فولاية الأولين في حقل الأمر والنهي طليقة ، وهي للآخرين محدودة بما هم فيه غير مقتصرين.
ثم لا ولاية لتاركي المعروف ومقتر في المنكر إلا ـ علّها ـ فيما هم فاعلوه من معروف أو تاركوه من منكر.
فالمقصر المطلق لا ولاية له على أحد في هذا الحقل ، والعادل المطلق له الولاية المطلقة فيه ، والعوان بينهما له ولاية نسبية فيما لا يقصر فيه.
ذلك ، ولأن العدالة المطلقة قلما توجد بين المسلمين ، ولا كفاية في هذه القلة القليلة قياما لواجب الأمر والنهي ، ونصوص آيات وعلى ضوءها روايات لا تمنع إلّا عن الأمر بمعروف آمره تاركه ، وعن النهي عن منكر ناهيه فاعله ، ثم وآيات واجب الأمر والنهي بوجه الكفاية طليقة أو عامة يكتفى بتخصيصها أو تقييدها بالآمر التارك لما يأمر ، والناهي الفاعل لما ينهى ، إذا فواجب الأمر والنهي غير ساقط عن الباقين مهما كانوا باغين في غير ما يأمرون به وينهون عنه.
وترى المجاهر بالفسق له أو عليه أن ينهى عن فسق آخر؟ وفي أمره ونهيه مزرءة بشرعة الله ، ومنقصة أو معاكسة في التأثير!.
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) قد تمنع عن الآمر بالبر الناسي نفسه فيه ، ولكنها محددة بنفس البر الذي به يأمرون ، وإلا رجعت مشكلة عدم كفاءة العدول في كل شيء ، ثم (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) تحدد المحرم الماقت في القول أمرا وسواه بما لا يفعله نفسه.
صحيح أن في الأمر والنهي من غير العادل منقصة في التأثير ولكنه ليس ـ مع الوصف ـ عدم التأثير ، إذ لا حجة للمأمور والمنهي في عدم ائتماره وانتهاءه بأن الآمر تارك لما يأمر ، أو الناهي فاعل لما ينهى.
ثم آية التناهي نص في واجب النهي والانتهاء ، ولو كانت العدالة الطليقة شرطا لوجوب ـ فضلا عن جواز ـ الأمر والنهي فلا دور إذا للتناهي ،