كما وأن التناهي تعاون على البر والتقوى وهو فرض جماعي بين الجماعة المؤمنة.
فكما يجب على المكلفين فعل الواجبات وترك المحرمات فرضا شخصيا على أشخاصهم كذلك يجب التآمر والتناهي وليس إلّا في غير العدل المطلق.
إذا فالواجب الأول على كل المكلفين وقاية أنفسهم بصورة عادلة طليقة ، ثم وقاية الآخرين ، وحين يفسق المكلف أحيانا ويعدل أخرى ، فهو حالة عدله مفروض عليه أن يكلف التاركين له أن يحققوه ، أمرا بمعروف هو فاعله ، ونهيا عن منكر هو تاركه ، دونما تعد طوره أن يأمر بمتروكه وينهى عن مفعوله ، مهما كان خفية فضلا عن كونه جهرا.
فالمصلي التارك للصوم والصائم التارك للصلاة ، يجب عليهما التآمر بأن يأمر الأول الثاني بالصلاة ، ويأمر الثاني الأول بالصوم ، وهكذا التناهي.
ولو لا خلق جو التآمر والتناهي لأظلم الجوّ بصورة واسعة شاسعة إذ لا كفاءة في العدول الطليقين في شيء.
فهنا ـ في حقل واجب الأمر والنهي ـ هذه الآية هي أعم الآيات فيهما ، ثم تخصص ب (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) ثم تخصص آية الأمة هذه ب (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ ..) و (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) و (ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) وهذه الثلاث تنضبط دلاليا ب (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ).
والمهم في هذا البين ضرورة استمرارية لسان الأمر والنهي بين المؤمنين ، متجنبين عن سوء التأثير إن لم يكن لهما حسن التأثير.
ففاعل المنكر وتارك المعروف جهارا ، محرم عليه الأمر والنهي فيما لا يفعله من معروف أو لا يتركه من منكر ، قطعا ، ثم يتلوه غير الجاهر فيما يأمر وينهي ، لمكان الإطلاق في هذه الآيات الثلاث.
ومن ثم الجاهر بغير ما يأمر أو ينهى ، فالأشبه وجوبهما عليه إلا إذا