(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) وهم يسيرون بالكفر ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول (وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) سرا ونجوى وأخفى منهما غيبا ، كالنيات المستقبلة والأفعال الآتية ، فالسر قبال التجوي ، و «أخفى» هو الأخفى منهما.
فما دام النفاق غير مرتكن في القلب أمكن إزالته ، فإذا ارتكن معمّدا متواترا فأصبح القلب ركاما من النفاق لم تمكن إزالته ، وحتى إذا أرادها حيث (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) بما كانوا يفعلون.
وهنا (يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) هو لقاء العلم حيث يكشف الغطاء ، وهو لقاء عالم الله حيث لا خيرة للعبد ، ويوم لقاء الحساب والجزاء بلقاء وعد الله ، فهو يوم الموت ، ثم لا دور للنفاق إلا الجزاء الوفاق.
وهنا «ما وعدوه» تحلّق على كافة المواعيد الربانية فطرية وعقلية ، ثم قالية وحالية إخلافا حليقا ، طليقا عن «ما وعدوه» ثم هم «يكذبون».
فمن بذور النفاق الكافر إخلاف وعد الله وتكذيبه ، وقد يروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أئتمن خان» (١) وهؤلاء هم :
(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٧٩).
(الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) هم المتطوعون في كل شيء لله ، متطوعين «في الصدقات» تطوعا لواجب الصدقة وراجحها ، حيث يصدّقون بالزائد عن حاجاتهم المتعوّدة ، فهم أولاء الأنكاد «يلمزونهم» تعييبا وتأنيبا في كل تطوعاتهم و «في الصدقات» و «يلمزون ـ (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) وهم يصّدّقون مجهودهم (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) فهؤلاء
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٦١ ـ أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ...