دون أن يرسلوها بوسيط استعلاء أم يؤجلوها نسيئة دون نقد ، ثم و «عن يد» منكم ، وهي القدرة المستعلية لكم عليهم ، والنعمة في ذلك الأخذ ، حيث الجزية بديلة عن الحفاظ عليهم تحت رقابة السلطة الإسلامية ، فهذه رحمة ربانية عليهم ، فقد تعني «عن يد» كلتا اليدين : معطية وآخذة ، بمعنييها في كلّ ، (وَهُمْ صاغِرُونَ) دون أي استعلاء واستقلال ضمن الدولة الإسلامية ، سواء في إعطاء الجزية أم سواه من حركات حيوية.
فلا تعني (وَهُمْ صاغِرُونَ) انهم مهانون مهتوكون ، وإنما تعني أنهم صاغرون أمام السلطة الإسلامية ، وأمام شروطات الذمة ، فهم في الحق ـ إذا ـ عائشون في مدرسة داخلية إسلامية ، يعامل معهم بصلح وصفاء ووفاء ما هم «صاغرون» أمام السلطة الإسلامية ، دون أية مجاهرة بحرمات الله مهما هم عاملوها في خفاء.
وترى «الجزية» بعد هي بديلة القتال ، والنفس المهدورة لاتباع بمال ، ولا سيما هذه القليلة ، فهل القصد من قتالهم ـ فقط ـ أخذ المال؟.
«الجزية» هي مهلة بسيطة وسيطة بين بقاءهم أحرارا في فتنهم ، وإبقاءهم كأسرى علّهم ينتبهون فينتهون ، ودفع المال بتلك الحالة الصاغرة هو بطبيعة الحال يدفعهم إلى تأمل وتروّ تخلصا عن خسران المال والحال ، ولو أنهم فتنوا حال دفعهم جزيتهم ، لم تكن الجزية دافعة عن قتالهم ، فإنما دور الجزية هو فيما إذا هم ينتهون عن القتال والفتنة ولمّا ينتهوا عن ضلالهم البعيد ، فلكي تتاح لهم فرصة التأمل تؤخذ منهم جزية عجالة ، إجالة للنظر في أمرهم ، فتحولا ـ علّه ـ عن أمرهم ، وطبيعة الحال في (يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ (١) وَهُمْ صاغِرُونَ) أنهم تخطوا مرحلتي الخطر على المؤمنين ، فلا يحاربونهم نفسيا ولا عقيديا وإلا فلا دور للجزية عن يد وهم صاغرون ، فهم أولاء الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، لا تنطفئ نارهم وتخمد ، فقد انطفأت إرادتهم النارية عن إطفاء نور الله.
فكما لا يعني أسر المشركين في جبهات القتال ، إلّا حصرهم في مدرسة داخلية تربوية حتى يؤمنوا بما يلمسون من حالات المسلمين